مشــاهير البحـــر (1)
(جاك-إيف كوستو – Jacques-Yves Cousteau)
المسؤول عن تعريف ملايين البشر بالجزء من العالم المغمور تحت الماء. ورحلة (كوستو) مع البحر التي استغرقت ستين عاماً لم تكن مجرد مغامرة استكشاف. فـ (تقني المحيطات) كما كان يسمي نفسه قد أسهم في ابتكارات ومشاريع ترتكز عليها كثير من أبحاث التقنيات البيئية اليوم.
ولد (كوستو) منتصف عام 1910. وبالرغم من أن بدايات مسيرته الدراسية كانت متعثرة; إلا أن اهتمامه بالابتكار بدأ في سن الحادية عشرة قبل أن يُنمي اهتماماً بتصوير الأفلام ثم ليتبلور شغفه بآليات الغوص واستكشاف الأعماق بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية والتحاقه بسلاح البحرية الفرنسي.
في عام 1950 اشترى سفينة (الكاليبسو) التي اقترنت شهرته بها لتكون بمثابة مركز أبحاثه البحرية خلال الستة والأربعين عاماً التالية. وقد عمد (كوستو) لإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية والكتب من أجل تمويل رحلاته ولنشر الوعي ببيئة الأعماق في بادرة غير مسبوقة وقتها حققت نجاحاً مدوياً. بل أن فيلمه
الوثائقي الأول (العالم الصامت – The Silent World) فاز بالجائزة الأولى في مهرجان (كان) لعام 1956. وهو إنجاز لم يلامسه مُنتَج وثائقي آخر حتى جاء (مايكل مور) بفيلمه (فهرنهايت 9/11) بعد ثمان وأربعين سنة.
في عام 1968م طُلب إلى (كوستو) الاشتراك في سلسلة برامج تيليفزيونية لتعريف الجمهور بعالم البحر الخفي. وهكذا كان برنامج (عالم الأعماق- Undersea World) الذي قدم للجمهور العادي صورة لعالم أبحاث المحيطات طيلة ثماني سنوات. وليحتل مكانة راسخة; حتى عند المشاهدين العرب; كأحد أهم معالم التثقيف التلفازي.
هكذا أسلمت
مرَّ كوستو بتجارب علمية هزت نفسه وحركت وجدانه وأشعلت فكره ، فاخذ يبحث عن الحقيقة والحل الذي يقف عنده وتطمئن به نفسه . وظل يبحث في المجهول وهو في قمة تأملاته ، لفتت انتباهه ملاحظة غريبة أثارت عجبه وفضوله ؛ ذلك انه لاحظ أن الكائنات
الحية من نبات وحيوان – التي تحيا وتعيش في البحر الأبيض المتوسط – تختلف في دقائق تركيبها عن شبيهاتها التي تحيا وتعيش في المحيط الأطلسي المجاور له ! ولامتحان هذه الحقيقة أبحر كوستو تصحبه بعثته العلمية إلى مضيق جبل طارق حيث
البرزخ : وهو الحد الفاصل بين البحرين وبدا البحث والسير والتنقيب ، ليسفر له هذا السر الغريب ؛ فنسمعه ينادي :
(( أثارت الحقائق الأولية التي توصلنا إليها إلى أمور أثارت فضولي ودهشتي ؛ إذ تحققنا من جريان سيل مائي يفصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ؛ فلا يدع أحدهما يلامس الآخر أو يختلط به )).
ويضيف الكابين كوستو إلى ذلك قوله :
(( لقد سبقتنا بعثة ألمانية في علوم البحار إلى ملاحظة مماثلة ، تنصب على الحد الفاصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي : وذلك في موضع مضيق ( باب المندب ) : فهناك يقوم تيار مائي يمنع اختلاط المياه أيضا ، ويترك لكل منهما كيانه الخاص به ، وما يحتويه من نبات وحيوان )).وانتهى الأمر عند رائدنا البحار إلى وضع فرضية علمية مفادها : أن مياه البحار والمحيطات ذوات التركيب المختلف لا تختلط أبدا : وذلك بفعل حاجز مائي يمنع امتزاجها )).
وذكر كوستو –بعد ذلك- انه حدَّث صديقا له اسمه ( موريس بوكيل ) في هذا الأمر بوصفه من العجائب المجهولة في هذا العالم ! وهنا حصلت المفاجأة العظمى ؛ إذ روى ( كوستو ) أن صديقه ( بوكيل ) هزه هزا عنيفا بقوله : إذا أردت أن تعرف أنت ومن سبقك من زملائك الألمان وتكتشف هذه الحقيقة ، فما عليك إلا أن تراجع كتاب المسلمين المقدس ( القران ) الذي قص علينا هذا النبأ قبل ألف وأربعمائة سنة !!!
قال كوستو : فأسرعت إلى القران الكريم في ترجمته الإنكليزية أو الفرنسية أراجعه في شوق وترقب ، فوجدت ضالتي نصب عيني في الآيات الثلاث من سورة الرحمن :
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{21}
وتفسيرها يقول : أن الله تعالى أرسل البحر المالح والبحر العذب يتجاوران ويلتقيان ولا يمتزجان ، فكل منهما محتفظ بخصائصه ومكوناته الكيماوية ؛ بسبب أن بينهما برزخا لا يلتقيان . والبرزخ هو الحاجز والفاصل بين المضيق يفصل بينهما ، فلا يطغى أحدهما
على الآخر بالممازجة والاختلاط . ثم وجدت في الآية [53] من سورة الفرقان :
{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }الفرقان53 وتفسيرها أن الله بقدرته ، خلى وأرسل البحرين متجاورين
متلاصقين لا يختلطان ولا يمتزجان مع بعضهما ، فيكونان ماءا ذا خصائص ومركبات جديدة ، بل ويبقى كل ماء محتفظ بأوصافه التكوينية ، أحدهما عذب فرات أي شديد العذوبة ، قاطع للعطش من فرط عذوبته ، والآخر : ملح أجاج أي بليغ الملوحة ، مر شديد المرارة ، ولكل منهما نباته وحيوانه التي تكيفت للعيش فيه [ وجعل بينهما برزخا ] أي حاجزا من ماء المضيق لا يغلب ويطغى أحدهما على الآخر : [ وحجرا محجورا ] أي ومنعهما من وصول اثر أحدهما على الآخر وامتزاجهما مع بعضهما في ماء ذي أوصاف ومكونات جديدة .
وفي النتيجة قال كوستو: الآن اشهد يقينا أن القرآن هو وحي من الله وان محمدا نبي الله ورسوله ، وان العالم المعاصر يحبو في اثر ما جاء في أناة وصبر على فترة أربعة عشر قرنا مضت من الزمن.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
وبالرغم من أن (كوستو) قد توفي عام 1997 إثر أزمة قلبية; إلا أن تراثه لا يزال حياً ومحركاً للكثير من الجهود العالمية. حتى سفينته العتيدة (الكاليبسو) التي غرقت إثر اصطدامها ببارجة عام 1996; تم انتشالها لاحقاً لتبقى شاهداً على منجزاته. بينما ينتظر العالم انطلاق خليفتها (كاليبسو 2) التي وضع (كوستو) نفسه تصاميمها يوماً لتجمع صفوة تقنيات أبحاث البيئة البحرية.
----------
إسم الكاتب: نجيم عبد الإله
(جاك-إيف كوستو – Jacques-Yves Cousteau)
المسؤول عن تعريف ملايين البشر بالجزء من العالم المغمور تحت الماء. ورحلة (كوستو) مع البحر التي استغرقت ستين عاماً لم تكن مجرد مغامرة استكشاف. فـ (تقني المحيطات) كما كان يسمي نفسه قد أسهم في ابتكارات ومشاريع ترتكز عليها كثير من أبحاث التقنيات البيئية اليوم.
ولد (كوستو) منتصف عام 1910. وبالرغم من أن بدايات مسيرته الدراسية كانت متعثرة; إلا أن اهتمامه بالابتكار بدأ في سن الحادية عشرة قبل أن يُنمي اهتماماً بتصوير الأفلام ثم ليتبلور شغفه بآليات الغوص واستكشاف الأعماق بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية والتحاقه بسلاح البحرية الفرنسي.
في عام 1950 اشترى سفينة (الكاليبسو) التي اقترنت شهرته بها لتكون بمثابة مركز أبحاثه البحرية خلال الستة والأربعين عاماً التالية. وقد عمد (كوستو) لإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية والكتب من أجل تمويل رحلاته ولنشر الوعي ببيئة الأعماق في بادرة غير مسبوقة وقتها حققت نجاحاً مدوياً. بل أن فيلمه
الوثائقي الأول (العالم الصامت – The Silent World) فاز بالجائزة الأولى في مهرجان (كان) لعام 1956. وهو إنجاز لم يلامسه مُنتَج وثائقي آخر حتى جاء (مايكل مور) بفيلمه (فهرنهايت 9/11) بعد ثمان وأربعين سنة.
في عام 1968م طُلب إلى (كوستو) الاشتراك في سلسلة برامج تيليفزيونية لتعريف الجمهور بعالم البحر الخفي. وهكذا كان برنامج (عالم الأعماق- Undersea World) الذي قدم للجمهور العادي صورة لعالم أبحاث المحيطات طيلة ثماني سنوات. وليحتل مكانة راسخة; حتى عند المشاهدين العرب; كأحد أهم معالم التثقيف التلفازي.
هكذا أسلمت
مرَّ كوستو بتجارب علمية هزت نفسه وحركت وجدانه وأشعلت فكره ، فاخذ يبحث عن الحقيقة والحل الذي يقف عنده وتطمئن به نفسه . وظل يبحث في المجهول وهو في قمة تأملاته ، لفتت انتباهه ملاحظة غريبة أثارت عجبه وفضوله ؛ ذلك انه لاحظ أن الكائنات
الحية من نبات وحيوان – التي تحيا وتعيش في البحر الأبيض المتوسط – تختلف في دقائق تركيبها عن شبيهاتها التي تحيا وتعيش في المحيط الأطلسي المجاور له ! ولامتحان هذه الحقيقة أبحر كوستو تصحبه بعثته العلمية إلى مضيق جبل طارق حيث
البرزخ : وهو الحد الفاصل بين البحرين وبدا البحث والسير والتنقيب ، ليسفر له هذا السر الغريب ؛ فنسمعه ينادي :
(( أثارت الحقائق الأولية التي توصلنا إليها إلى أمور أثارت فضولي ودهشتي ؛ إذ تحققنا من جريان سيل مائي يفصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ؛ فلا يدع أحدهما يلامس الآخر أو يختلط به )).
ويضيف الكابين كوستو إلى ذلك قوله :
(( لقد سبقتنا بعثة ألمانية في علوم البحار إلى ملاحظة مماثلة ، تنصب على الحد الفاصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي : وذلك في موضع مضيق ( باب المندب ) : فهناك يقوم تيار مائي يمنع اختلاط المياه أيضا ، ويترك لكل منهما كيانه الخاص به ، وما يحتويه من نبات وحيوان )).وانتهى الأمر عند رائدنا البحار إلى وضع فرضية علمية مفادها : أن مياه البحار والمحيطات ذوات التركيب المختلف لا تختلط أبدا : وذلك بفعل حاجز مائي يمنع امتزاجها )).
وذكر كوستو –بعد ذلك- انه حدَّث صديقا له اسمه ( موريس بوكيل ) في هذا الأمر بوصفه من العجائب المجهولة في هذا العالم ! وهنا حصلت المفاجأة العظمى ؛ إذ روى ( كوستو ) أن صديقه ( بوكيل ) هزه هزا عنيفا بقوله : إذا أردت أن تعرف أنت ومن سبقك من زملائك الألمان وتكتشف هذه الحقيقة ، فما عليك إلا أن تراجع كتاب المسلمين المقدس ( القران ) الذي قص علينا هذا النبأ قبل ألف وأربعمائة سنة !!!
قال كوستو : فأسرعت إلى القران الكريم في ترجمته الإنكليزية أو الفرنسية أراجعه في شوق وترقب ، فوجدت ضالتي نصب عيني في الآيات الثلاث من سورة الرحمن :
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{21}
وتفسيرها يقول : أن الله تعالى أرسل البحر المالح والبحر العذب يتجاوران ويلتقيان ولا يمتزجان ، فكل منهما محتفظ بخصائصه ومكوناته الكيماوية ؛ بسبب أن بينهما برزخا لا يلتقيان . والبرزخ هو الحاجز والفاصل بين المضيق يفصل بينهما ، فلا يطغى أحدهما
على الآخر بالممازجة والاختلاط . ثم وجدت في الآية [53] من سورة الفرقان :
{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }الفرقان53 وتفسيرها أن الله بقدرته ، خلى وأرسل البحرين متجاورين
متلاصقين لا يختلطان ولا يمتزجان مع بعضهما ، فيكونان ماءا ذا خصائص ومركبات جديدة ، بل ويبقى كل ماء محتفظ بأوصافه التكوينية ، أحدهما عذب فرات أي شديد العذوبة ، قاطع للعطش من فرط عذوبته ، والآخر : ملح أجاج أي بليغ الملوحة ، مر شديد المرارة ، ولكل منهما نباته وحيوانه التي تكيفت للعيش فيه [ وجعل بينهما برزخا ] أي حاجزا من ماء المضيق لا يغلب ويطغى أحدهما على الآخر : [ وحجرا محجورا ] أي ومنعهما من وصول اثر أحدهما على الآخر وامتزاجهما مع بعضهما في ماء ذي أوصاف ومكونات جديدة .
وفي النتيجة قال كوستو: الآن اشهد يقينا أن القرآن هو وحي من الله وان محمدا نبي الله ورسوله ، وان العالم المعاصر يحبو في اثر ما جاء في أناة وصبر على فترة أربعة عشر قرنا مضت من الزمن.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
وبالرغم من أن (كوستو) قد توفي عام 1997 إثر أزمة قلبية; إلا أن تراثه لا يزال حياً ومحركاً للكثير من الجهود العالمية. حتى سفينته العتيدة (الكاليبسو) التي غرقت إثر اصطدامها ببارجة عام 1996; تم انتشالها لاحقاً لتبقى شاهداً على منجزاته. بينما ينتظر العالم انطلاق خليفتها (كاليبسو 2) التي وضع (كوستو) نفسه تصاميمها يوماً لتجمع صفوة تقنيات أبحاث البيئة البحرية.
----------
إسم الكاتب: نجيم عبد الإله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق